"لماذا قال يعقوب: (أجد ريح يوسف)، ولم يقل: (أشم ريح يوسف) مع أن الروائح تُشم؟"

هذا سؤال بلاغي جميل، والجواب عليه له جانب لغوي وبلاغي ومعنوي أيضًا:

---

🔹 أولًا: من الناحية اللغوية والبلاغية

الفعل "أجد" يدل على الإحساس القوي المؤكد، وليس فقط على عملية الشم. كأنه يقول: أحس بوجود ريح يوسف إحساسًا لا شك فيه.
بينما الفعل "أشم" يدل فقط على الفعل الحسي المرتبط بالأنف.

فكأن يعقوب عليه السلام أراد أن يُعبّر عن قوة اليقين والشعور، لا مجرد إدراك الرائحة، فقال:

"إني أَجِدُ ريحَ يوسف"
أي: أشعر بها بصدق، وأدركها إدراكًا قلبيًّا ويقينيًا، لا فقط حسيًا.

---

🔹 ثانيًا: إشارة إلى عمق العلاقة الروحية

يعقوب عليه السلام لم يكن يشم مجرد رائحة، بل كانت ريح يوسف بالنسبة له بشارة ويقينًا وإحساسًا بالرجاء بعد طول الفقد.

فقال: "أجد" لأنها أثارت مشاعر الشوق والحنين واليقين في قلبه، وهذا أعظم من مجرد "شمّ".

---

✅ الخلاصة:

استخدام "أجد" أبلغ من "أشم" لأنه:

يدل على شعور داخلي ويقين، لا مجرد حاسة الشم.

يحمل قوة عاطفية ومعنوية.

مناسب لمقام الشوق والحنين والفرج القريب.

وهذا من إعجاز القرآن في اختيار الألفاظ.

في اللغة العربية إذا تكررت النكرةُ دلّت على شيئين؛ فإذا قلتَ قابلتُ رجُلًا وأكرمت رجُلًا، فأنتَ حينَها تتحدثُ عن شخصين مختلفين.
أما المعرفةُ إذا تكرّرت فإنّما دلّت على شيءٍ واحد.
فنقول: قابلت الرجُلَ وأكرمت الرجُلَ، فأنتَ هُنا قابلتَ رجُلًا واحدًا وأكرمتَه.

عندما قال الله:" فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا • إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" تكرّرت "يُسر" نكرة، وتكررت "العسر" معرفة؛ لتدلّ على أن العُسر الواحد يأتي ومعه يسرين.

فلا تجزع؛ فالذي خلقَ الضيقَ قادرٌ على شرحِ صدرك، وقادرٌ على وضعِ وزرك، الذي أنقضَ ظَهرك.

- الشيخ الشعراوي.