#موسوعة_الدكتور_محمد_راتب_النابلسي
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
معركة بدر وأهميتها لدى المسلمين :
(( يا أهل القليب , " يا عُتبة بن ربيعة ، يا شيبة ابن ربيعة ، يا أمية ابن خلف يا أبا جهل بن هشام , هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً , لقد كذبتموني وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس " فقال المسلمون : يا رسول الله أتنادي قوماً جيفوا ـ أي أصبحوا كالجيفة , قال : نعم ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني ))
[ أخرجه البخاري ومسلم]
كلمات بليغات تلك التي خاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم القتلى من كفار قريش بعد أن أمر بطرحهم في قليب ( أي بئر ) لدفنهم , وذلك أثر انتصار المسلمين في أول مواجهة لهم مع أعدائهم ، لقد انتصروا وهم قلة قليلة مُستضعفة ، على كثرة كثيرة من صناديد قريش وهم أشداء مستكبرون .
وكان هذا النصر المؤزَّر الحاسم في السابع عشر من رمضان لسنتين خلتا من الهجرة ، وكانت الموقعة ، موقعة بدر الكبرى .
قال تعالى :
﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾
[ سورة الأعراف ]
لقد كان صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حريصين حرصاً بالغاً على هذا النصر الذي قرر مصير هذا الدين الجديد ، فإن هلكوا فلن يُعبد الله بعدها في الأرض .
ولقد كان من مناجاة الرسول الكريم لربه العظيم قُبيل التحام الفريقين :
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( اللهم إِن تَهْلِكْ هذه العصابةُ من أهل الإِسلام لا تُعبدْ في الأرض ))
[ حديث الضراعة يوم بدر متفق عليه ]
وجعل يرفع يديه إلى السماء ويدعو في لهفة ورجاء .
(( اللهم أنْجِزْ لي ما وعدتني ))
[ حديث الضراعة يوم بدر متفق عليه ]
اللهم نصرك المؤزَّر .
حتى سقط الرداء عن منكبيه الشريفين ، فتقدَّم أبو بكر رضي الله عنه يسوِّي عليه رداءه ويواسي لهفته وتضرعه قائلاً :
" يا رسول الله , بعض مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك "
أيها المؤمنون ؛ لقد كان جيش المسلمين في بدر ضئيل العدد ، قليل العدد ، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لا يزيدون عن ثلاثمائة بل ينقصون ، ولكن الواحد منهم كألف ، والألف من أعدائهم أف ، فهم يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة ، لقد استعرض الرسول جيشه كما يفعل القادة قُبيل المعركة ، لاستجلاء معنوياته فقال :
" أشيروا عليِّ أيها الناس , ويعني بذلك الأنصار لأنهم كانوا الأكثرين عدداً فقال له سعد بن معاذ :
والله لكأنك تريدنا يا رسول الله ؟ قال : أجل ، فقال : قد آمنا بك وصدَّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك فامض يا رسول الله لما أردت ، فنحن معك ، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلَّف منا رجل واحد , وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً وإنا لصبر في الحق صُدُق عند اللقاء فصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت ، وعاد من شئت وسالم من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت ، وما أخذت منا كان أحبَّ إلينا مما تركت ، فلعل الله يُريك منا ما تقرُّ به عينك ، فسِر بنا على بركة الله "
أيها الإخوة ؛ لقد كان جيش المسلمين ضئيل العدد ولكن هذا نموذج من مقاتلي جيش المسلمين عشية موقعة بدر ، إنهم على أهبة الاستعداد للتضحية بالغالي والرخيص والنفس والنفيس ، دعماً للحق ولدين الحق ولرسول الحق .
وفضلاً عن ضآلة العدد كان جيش المسلمين قليل العُدد ، فليس مع الرسول الكريم وصحبه الكرام سوى سبعين بعيراً والمسافة بين المدينة وبدر تربو على مائة وستين كيلومتراً .
روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بأنه قال :
كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير ( أي يتعاقبونه ) ويتناوبونه وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أي دوره في السير) فقالا له : نحن نمشي عنك ( ليظل راكباً ) فقال : " لا .. ما أنتما بأقوى مني على السير ، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر " ، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه راكبان .
هذا الذي يمشي وصاحباه يركبان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائد الجيش .
فهل تدهشنا بعد هذا شجاعة أصحابه ، وتضحياتهم ، وإقبالهم على الموت ، بعد أن سوَّى نفسه بهم ، في كل شيء ، وهل يدهشنا تعلُّقهم به وتفانيهم في محبته ، وقد كان لهم أباً رحيماً , وأماً رؤوماً , وأخاً ودوداً , ونبياً رسولاً .
لقد صدق الله العظيم إذ يقول :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القلم ]