ذكر الجاحظ في كتاب البيان والتبين
عن الأصمعي:
كتب كتاب حكمة فبقيت منه بقية
فقالوا: ما نكتب؟
قالوا: اكتبوا
يسأل عن كل صناعة أهلها.

قد يكون إنكار بعض السلف لعلم الكلام مثلا
بسبب ما يجده من فضول الاشتغال الذي لا حاجة إليه في عصره
بسبب اعتقاده ضعف تلك الشُّبَه
فلا يرى حاجة إلى دفعها
ظنًّا منه أنه لا يحتاج إلى كثير عناء
على أن الاشتغال بمثلها على ذلك التقدير يكون أحد أسباب انتشار الشبهة!
فالاشتغال بها يكون في مصلحة الشبهة ومن باب العون في تقويتها وانتشارها.

مثل هذا الإنكار إنكار زماني،
بمعنى أنه مختص بزمان خاص
فإذا تقدم به الزمان وتغير أهله عرف أن الشبهة الضعيفة تغيرت وعظمت واستفحلت

فقد يكون النصح بالأمة يقتضي ترك مثل تلك الشبهة في عصر سابق،
ذاك النصح نفسه يقتضي الاهتمام بها والجواب عنها في عصر لاحق
نظرا لضعفها سابقا وقوتها لاحقا.

الإشارة:
ذكر العلامة الكافيجي رحمه الله في بعض كتبه
أن الإشارة هي دلالة اللفظ على معنى لم يُسَق له، نحو دلالة الإنسان على معناه التضمني مثلًا.

قيل: عاشروا الناس معاشرة
إن عشتم حنوا إليكم
وإن متم بكوا عليكم.

قيل:
قلوب الأحرار قبور الأسرار.

وفيه أن الفعل الاختياري لا بد له من إرادة معينة جزئية
ولا ينبعث الفعل الواحد المعين ولا يتحقق بإرادة مطلقة غير معينة كما قرره العلماء
هنا الأسد يهجم على قطيع، ولكن لا يخصص حمارًا بعينه
ولأجل هذا لا يستطيع أن يصيد ولا واحدا
وهو في هذه الحالة إن صاد فإن صيده سيكون اتفاقيا وليس عن قصد فلننتبه!

وقد تكون الوفرة أحد أسباب تراخي العزم، فيثق الرجل بهذه الوفرة، فيكون فيه خسرانه
وشبيه بهذه الحالة تجده في الرجل يشتري الكتاب فلا يستطيع قراءته لأنه يأمن فوت الكتاب من يديه، فيقول: سأقرأه، ولكن لا يخصص وقتا، ولا يقصد الكتاب في وقت معين، وإنما يترك الأمر للاتفاق! فلا يحصل كما لم يحصل للأسد في هذا المقطع.
ولا يزال في المقطع دروس أخرى!

الرجل يتكلم عن نقطة مهمة
وفيها معان عدة

منها أن البيان يكون على قدر الحاجة
فكلما اشتدت الحاجة إلى البيان زاد البيان
ولكن لماذا يشتد الحاجة إلى البيان؟
لتدني حال الناس واشتداد جهلهم!!

فالرجل ينتقد اللغة الإنجليزية الأمريكية لبيان التفاصيل!
لا لأنها خاطئة
بل لأنها لماذا أهل تلك اللغة يحتاجون إلى التنبيه على تلك التفصيلة لولا اعتقاد الجهل بتلك التفصيلة في الخلفية!!

وهذا معنى مهم جدا
كثيرا ما يغفل عنه الناس

ومن هنا تجد سخافة تشدد بعض الناس حين يحاولون قياس العلم بقدر الكتب التي كتبت
فكلما زادت الكتب يعتقدون أن العلم ارتقى في ذلك العصر
ومتى لم يجدوا كتبا في ذلك العصر مثلا يعقتدون أن ذلك العصر ضعف فيه العلم!

قد أتفق أن الكتابة بعض مظاهر العلم
ولكن حصر العلم في الكتب
بمعنى أن انتفاء الكتب بمعنى انتفاء العلم
غير صحيح

وستجد هذا الوهم راسخا في كثير من المعاصرين
ومن هذا الباب لا يبعد أن ترى من يزعم أننا أعلم بالفقه من أبي حنيفة رحمه الله
لأننا رأينا وقرأنا وكتبنا أكثر مما كتب !!
(أنا لا أحكي عن أمر أتخيله)