📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان


💠 إذا أحببت حقًّا أن تتأدّب بواسطة الصلاة فثمّة شرط لذلك، وهو أن لا تفرّ روحك منها.
المعلّم، في قديم الأيام، كان يعاقب التلميذ بضربه على يده بالعصا. وكان بعض التلاميذ إذا همّ المعلّم بضرب يده يسحب يده، خوفًا من ألم الضربة. وتلاميذ كهؤلاء لن يتأدّبوا بعصا المعلّم.
الصلاة أيضًا هي بالنسبة إلى البعض مرّة وقاسية، وإن أرواحهم تفرّ منها إذا وقفوا يصلّون كما يفرّ ذلك التلميذ من عصا معلّمه.

✅️ إنّ ذاك الذي يتأدّب بعصا المعلّم لشجاع حقًّا. فالذي يؤمن بالمثل القائل: «عصا المعلّم كالعسل»(*) لا بدّ أن يبقي يده ممدودة ويقول لمعلّمه: «اضرب.. اضرب حتى أتأدّب» على الرغم مما يقاسيه من الألم!
أعتذر إن أنا شبّهت الصلاة بهذا التشبيه، فهي – على أيّة حال – مرّة بالنسبة إلى البعض. أنا أنصح كل من يرى الصلاة مملولة تبعث على السآم أن يخاطب ربّه أثناءها: «إلهي، لا بأس إذا أنا تململت من الصلاة، فهي أنا أقف بكل ثبات». وبمجرّد أن تشعر بالملل وتحدّثك نفسك بإنهاء الصلاة بسرعة فكّر: إذا كنت في السجود على سبيل المثال – ذكرت «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ثانية. فهل «عصا الله» مؤلمة إلى هذا الحد يا ترى؟! لا تخشَ الصلاة. لا تهرب منها. ولا تبحث عن حلاوتها، لأنك إن بحثت عنها فستقول لنفسك: «سأصلّيها متى ما لمست فيها حلاوة». إذا فلتجبر نفسك مرارة الصلاة.

🍁 فالصلاة لا تعلّم الإنسان الأدب إلّا إذا تحمّل مصاعبها. فحتى إن لم ترَ في نفسك الرغبة في الصلاة فقم لأدائها بكل عزم وإصرار. وإذا رأيت أنّك تسرع في وضوئك فقل لنفسك: «على رسلك، توضّأ على مهل. هذا غير مقبول منك». بل أعذ وضوءك». أي عليك أن تخالف هواك. وهذا ما يُدعى «مجاهدة النفس». فكم تحلو مجاهدة النفس إذا كانت من أجل عبادة كالصلاة!

⚠️ تعلُّم الأدب هو من أسرار وجوب الصلاة

📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان


ما السرّ الذي جعل الله يأمرنا جميعًا بالصلاة ويوجب علينا هذا العمل على هذا النحو من التكرار؟

إنّ أحد أسرار ذلك هو التأدب في مقابل الله عز وجل. فالله تعالى - حسب العديد من الروايات التي مرّت الإشارة إلى بعضها - يريد من عباده أن يُصلّوا بأدب.
إتقان الصلاة هو الإتيان بواجباتها. أو، بعبارة أخرى، الإقرار بواجبات الصلاة، ثم الإذعان لها. فلقد جُعلت واجبات الصلاة على نحو يثير مَلَل الإنسان في العادة، فتفقد... بعد بضعة أيام، رتابة تبعث على السآم. ويكفي أن تُقبل بهذه الصلاة كما هي، وأن يُظهر هذا القبول على مَحيانا وسلوكنا.

لا ينبغي أن نقول لله: «إلهي، لقد غدت الصلاة رتيبة مُمِلّة»، ولا يجوز أن نقول له: «اجعل لنا عبادة أخرى تكون أكثر جاذبية كي نعبدك بمزيد من اللذة».

دعنا نتأمل في أنه لماذا جعل الله الصلاة على هذا النمط من التكرار، وعلى وتيرة واحدة، وباتجاه قبلة واحدة، وبأذكار ثابتة لا تتغير؟

فلنقف بين يديه تعالى ونقول له: «إلهي، هل تريد أن لا يكون لنا في الصلاة شيءٌ جديد؟»
إذاً فما الخاصية التي تريد أن تحملها الصلاة لنا؟
إلهي، هبنا هذه الخاصية بالذات. فليست الصلاة بالعمل الجديد كي نستمتع بكونها جديدة، فَلذّة الصلاة لا تلبث أن تزول بسبب التكرار الذي فيها. أيعني هذا أنك أردتنا أن نقوم بعمل لا يكون لنا ممتعًا ولذيذًا بسبب كونه جديدًا؟ فإن لم يكن فيه جديد، فما الذي ينطوي عليه إذاً؟
إلهي، أعطِنا هذا الشيء، دون غيره.

الصلاة عبادة تُمارس بأدب. وكما قد سبق ذكره فالصلاة تأدب مع رب العالمين قبل أن تكون إظهارًا للمحبة تجاهه. فنحن نحبّ الله عز وجل، غير أن حبّنا هذا لا يحملنا على أن نصلي له خمس مرات في اليوم، وليس في وسعنا - في الغالب - أن نغافله. أثناء الصلاة
فما أسرع ما تبعث الصلاة فينا المَلَل. بل قد ننزعج أحيانًا ساعة الأذان ولا نجد في أنفسنا الهمّة للإقبال على الصلاة.

⚠️ روعة المزج بين "الأدب" و"المحبة" الجزء الثاني

📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان

💠 قُم لأبيك وقف بين يديه بمجرد أن يدخل عليك كما يقف الجندي أمام قائده. فلا أدري لماذا يصبح البعض حميمين مع آبائهم في لحظات. فقد يدخل الأب إلى المنزل وإذا بالابن باقٍ على جلسته قد مدّ رجليه وكأن شيئًا لم يكن! ألا يعلم هذا الولد أن أباه كان الواسطة في خلقه؟! فلو أنك حملت أباك على كاهلك قاصدًا به بيت الله الحرام للحجّ سبعين مرة لما استطعت أداء حقّه. هذا حال أبيك، فما بال أمك؟! إذا فانتصب قائمًا إذا دخل عليك أبوك، وأظهر له شبيه تلك المحبة التي تحوط بها الأمّ وليدها، والتي أشار إليها الإمام السجاد عليه السلام، وستلمس أيّ روعة في التأليف بين المهابة والمحبة.

🍁 حينما تتشرف بالوفود إلى مشاهد أهل البيت عليهم السلام فإنك تقف أحيانًا عند الباب بمنتهى الأدب وتقول: «ما لم تأذن لي يا مولاي بالدخول إلى حرمك فلا أجرؤ على دخوله. طوبى لهؤلاء القوم، لقد أذنت لهم جميعًا بالدخول. لكن ما شأني بهم؟! إني أريد منك الإذن لأدخل حرمك. أنا من جانبي أعرف نفسي..». فزيارتك ستكون أحلى إذا أبديت مثل هذا الأدب فيها.

🔶️ إذا فأنت تارةً تتلو الزيارة على هذا المستوى من التأدب، ولكنك تارةً أخرى تضع وجهك على ضريح الإمام عليه السلام وتفضي إليه بكل ما يضيق به صدرك فتقول: «يا سيدي.. يا حبيبي.. ضعُفت قوتي، وقلتُ حيلتي، ولا ملجأ لي إلا إليك، فخذ بيدي...».

📖 يودّ الجميع لو يقدرون على مخاطبة الله تعالى ومناجاته مناجاة العشاق دونما تكلّف، وعبادته عبادة تطفح بالحبّ والحلاوة. لكنه يتعيّن على كلّ مَن يرغب في أن يحدثه الله حديث العاشقين بطمأنينة أن يكلّمه بأدب أولاً. وإنّ من جملة مواطن التأدب مع الله أثناء الحوار معه هو القراءة الصحيحة حال الصلاة. فتمعّن في قراءة صلاتك وانظر إن كانت صحيحة أم أنك تُخطئ فيها؟

فإذا رآني الله عز وجل حريصًا كل الحرص على تصحيح قراءة صلاتي قال لملائكته: «انظروا إلى عبدي. إنه يكابد الصعاب لينطق أمامي يضع كلمات بأدب»، أي إنه عز وجل سيفاخر بعبده. فمن الخير للمرء أن يقصد - بين الحين والآخر - قارئًا للقرآن الكريم لتصحيح تلاوة الحمد والسورة حتى وإن كان هو نفسه من خريجي دورات التجويد. إذ من الممكن أن يعود، بعد مدة من الترك، إلى ما سبق أن تعوّد عليه لسانه من الخطأ.