🍁 الصلاة بتفكر في السجن ج٢.

📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان

⚠️ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: جعلت فداك، إني قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها أو عدم قضائها شيء.
فقال: «... لَوْ أَنَّكَ قُلْتَ لَكَ تَقُولُ [بِأَنَّ حَاجَتَكَ تُقْضَى] أَكُنْتَ تَثِقُ بِهِ مِنِّي؟»
فقلت له: جعلت فداك، إذا لم أثق بقولك فبمن أَثِقُ وأنت حجة الله على خلقه!
فقال: «فكن بالله أوثق، فإنك على موعدٍ من الله، أليس الله يقول:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ


🔷️ فلقد ضمن الله عز وجل قضاء حوائج أهل التقوى، وأيّ تقوى هي أفضل من الصلاة الجيدة، وهي أهم ما أمر الله به!؟

🔶️ وشرعت بالحديث مع الإخوة السجناء، وكان مسؤول السجن قد أتى هو الآخر وجلس معهم ينصت لكلامي احتراماً للعمامة.
وحينما رأيت وجوههم وقد أخذت تتورّد وبدؤوا على استعداد لأن يخاطبوا ربهم في الصلاة التالية بأن:
«إلهي، إنّا الآن داخل السجن أو خارجه، نحن الآن عبادك فحسب.. الله أكبر».

👈 التفتُّ إلى رئيس السجن مخاطباً إياه:
«يا رئيس السجن، هل لك أنت أيضاً لحظة وقوفك للصلاة أن تنسى أنك رئيس السجن؟! هل في الصلاة أن تنسى أن الله أكبر من كل شيء؟»

‼️ وسعك أن لا تفكر في أنه إلى متى يريدون الإبقاء عليك في هذا المنصب، ومتى سيأتي أمرك بالنقل، ومتى تستلم راتبك، ومتى تعود إلى بيتك... الخ؟!
فأجاب من فوره معدّلاً جلسته: «أجل شيخنا».

⭕️ وكان مرشد السجناء، الذي يأتي يومياً عند الظهيرة لإمامة الجماعة، حاضراً كذلك مع الجمع، فتوّجهت إليه بالقول:
«أستميحك عذراً أيها الشيخ، فأنا كناقل التمر إلى هجر. هل لك أنت أيضاً أن تنسى حين الصلاة أنك مأمور؟ مثلاً: قد طلبت منك امرأتك أن تشتري شيئاً عند عودتك إلى المنزل، أو ما الذي ستصنعه مع المشكلة المالية الكذائية... الخ. هل لك أن تنسى كل شيء؟»

فابتهج السجناء لقولي هذا لرئيس السجن ومرشده وسرّوا بأنّه: ها قد أتى شخص يخاطبنا بما يُخاطب به الجميع.

🍁 الصلاة بتفكّر في السجن.

📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان

‼️ إنّ في وسع المرء أن يأتي بصلاته بتفكّر وهو في غمرة كروبه وانشغال ذهنه.

⚠️ التقيتُ ذات مرّة في أحد سجون البلاد ببعض السجناء. فوجدتهم، وأنا على وشك البدء بمحاضرتي، في حالة يُرثى لها من البؤس وخيبة الأمل حتى لا يبدو عليهم أي إقبال أو رغبة في الاستماع إلى حديثي. والحقّ معهم. فلا بد أنّهم قالوا بينهم وبين أنفسهم: «شيخنا، تتناول فطورك مع زوجتك وأولادك ثم تأتينا لتتحفنا بكلامك؟! أنت لا تدري أي كرب نحن فيه؛ فهذا ينتظر حكم إعدامه، وذاك متورّط في تحرير صكّ بلا رصيد، وآخر زوجته طريحة الفراش! نحن نعاني من ألف مشكلة ومشكلة، فما الذي سيتغيّر إذا أصغينا إليك؟! فلا يدري الشبعان بما يقاسي الجوعان، ولا يُخبِر الراكب ما في قلب الرجل!»

💠 ولما رأيتُ الحال على ما وصفتُ قلت لهم: «عذرًا، هلّا تناسيتم مشاكلكم خمس دقائق، بل وتناسيتم أنكم في سجن أصلًا، وخرجتم من هذا الحال الذي أنتم فيه؟»

⭕️ولعله كان طلبًا ثقيلاً جدًّا، لكنني أصررت عليهم وقلت لهم: «لخمس دقائق فقط أخرجوا من أذهانكم فكرة أنكم في سجن! أقسم لكم أنكم إذا فعلتم هذا فإن سجنكم لا يطول أكثر، وإن مشاكلكم لا تتفاقم، وسوف لا يتغيّر شيء. كل ما أرجوه منكم هو أن تخرجوا من هذه الحالة لخمس دقائق!»

⚜️ كررت طلبي مرّات عدّة حتى اقتنعوا بالتدريج. كانت أعينهم تحكي هذا الاقتناع. ففكرتُ مع نفسي أن ماذا سأقول لهؤلاء القوم؟ أقول لهم: أخرجوا مشاكلكم من أذهانكم خمس دقائق؟ ثم ماذا؟ لتصغوا إلى ما سأقول؟! أحسست أن طلبي مستهجن، فغيّرت وجهة كلامي وقلت: «عندما تقفون للصلاة: انسوا لخمس دقائق أنكم في سجن.. انسوا أنكم آباء، أو أنكم تحت وطأة الدين، أو أن أزواجكم أو أولادكم مرضى، بل انسوا أن مصيركم الإعدام! لا تخافوا، فلن تزداد مشاكلكم بهذا النسيان.»

🔷️ ثم قلت: «حاولوا نسيان جميع مشاكلكم وكروبكم في هذه الدقائق القليلة التي تقفون فيها للصلاة، وليقل كلّ منكم لنفسه: أنا الآن عبد لله ليس إلا، لستُ بأب، ولا بمدين، ولا بسجين، ولا بمريض، ولا بمكروب. أنا لست شيئًا من هذا كله، أنا عبد لله فقط. ثم ليكبّر، وليشرع في صلاته. فإذا فرغ منها فليرجع إلى سابق أفكاره وهمومه!»

ثم وعدتهم بأن الصلاة بهذه الطريقة ستحلّ الكثير من مشاكلهم، فلقد جرّبنا ذلك ولمسناه لمس اليد.

🍁 أعلمتَ من هو مسؤول كشوانية حرم الله هذا؟
📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان

💠 من غير الله تعالى يمكننا أن نودع عنده ما يشغلنا من مشاكل إذا صلّينا؟ فهو تعالى يقول لك: «عبدي، إذا كانت ثمّة مشكلة تلمّ بك أو مشغلة تشغل ذهنك، فاستودعني إياها، على الأقل في هذه الدقائق القليلة التي تقف فيها للصلاة، وثق بأني سوف لا أفسدها! فسوف لا يسوء حالك أكثر، لا تخف!».

⭕️ حسبك أن تنسى مشاكلك أثناء الصلاة؛ بل لا حاجة لنسيانها، فقط أخرجها مؤقتًا من ذهنك وانبذها جانبًا. وإن خطرت لك أثناء الصلاة مسألة أو مشكلة، فخاطب نفسك: «لا.. ليس هذا بالوقت المناسب، سأفكر فيها بعد حين، فأنا غارق محيط في مشاغل الدنيا ليل نهار، ولا أريد شغل فكري بها في هذه الدقائق القلائل».

🔷️ قل: «الله أكبر»، الله أكبر من مشكلاتي. أنا الآن عبد، وما أُمرتُ بأن أقول: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم﴾، وأن أقول: ﴿الحمد لله رب العالمين﴾. لديّ أمر بأن أقول: ﴿الرحمن الرحيم﴾، وقول: ﴿مالك يوم الدين﴾. لست في الوقت الحاضر سوى عبد عليه أن يقول: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ .. وهكذا.

🔶️ فإن تعاطيت مع القضية بهذه الصورة ونسيت مشاكلك حال الصلاة فسترى بعدها –بإذن الله– أن هذه المشاكل قد حُلّت؛ فإمّا أن تضحك أنت بالقدر اللازم فلا تعود تتأوه بسبب مشاكلك، أو أن تتضاءل الأخيرة إلى درجة لا تستحق معها الأنين والبكاء. كيف حصل هذا؟ حصل هذا لمجرّد أنك التزمت بآداب الصلاة الباطني بضعة دقائق ووجّهت الخطاب إلى مشكلاتك ومشاغلك أن: «لا».

🍁 تكملة.

📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان

🍁 لا بدّ أنك شاهدت أماكن حفظ الأحذية في المزارات. فما الحكمة من وجودها؟ هل هي للمحافظة على نعليك من الضياع؟ ليس هذا فحسب، فلو كانت نعلك عرضة للضياع فهل ستمتنع من الذهاب إلى المراقد الشريفة؟ من ذا الذي يرفض قصد مراقد الأولياء لاحتمال ضياع حذائه؟ ومن ذا الذي يُحجم عن زيارتها إذا غاب أصحاب الكشوانيات المحترمون؟! إنك تخاطب أهل البيت عليهم السلام في زيارتهم: «بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأُسرتي»! أي: فداكم روحي! فداكم أبي وأمي وكل ما عندي! فالذي يكون على استعداد لفداء غيره بنفسه أفلا يبذل نعليه؟!

⚜️ إذاً الحكمة من وراء الكشوانيات شيء آخر. فلو كان من جملة آداب زيارة حرم الإمام الرضا عليه السلام مثلاً أن: «اخلع نعليك بالباب وادخل» كان الزوار – من دون شك – سيخلعون أحذيتهم عند التقاطعات المؤدية إلى المرقد الطاهر ويهرعون للزيارة كالمجانين. معنى ذلك أنه حتى لو لم تكن هناك أماكن لحفظ الأحذية إذاً لعبِّرت عن عشقك بطريقة ما.

💠 فما الغاية من هذه الكشوانيات إذاً؟
الجواب: إن بعض الزوار ضعفاء الإيمان – على أية حال – وقد ينشغل بالهم بأحذيتهم، فيعمل القائم على الكشوانية على الاحتفاظ بأحذيتهم ليؤدوا زيارتهم بطمأنينة وراحة بال.

🔶️ روحي لصاحب كشوانية باب حرم الله الفداء! إن حرم الله هو الصلاة، وكلما أردت دخول هذا الحرم نادى بك صاحب كشوانيته الواقف بالباب: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾، أي: «اخلع نعليك وناولني إياهما، واذهب لمناجاة ربك».

⚠️ لكن ما المقصود من النعل هنا؟ إنه ما يشغل الفكر من مشاكل الدنيا وكروبها وتعلقاتها. إذاً اخلع مشاغل الدنيا ومشكلاتها من نفسك كما تخلع نعليك وناولها لصاحب الكشوانية، ثم كَبِّر لصلاتك، وصَلِّ وأنت قُرّة العين مرتاح البال.

🔷️ بل إن الإخوة القائمين على أماكن حفظ الأحذية في المزارات لن يقوموا يوماً بتلميع حذائك، أما صاحب كشوانية حرم الله فسيُخيط لك حذاءك، إن رأى في أحد جوانبه خرقاً، ويلمعه لك. إنه سيصلح حياتك إذا شاهد فيها نقصاً. فإذا أتيت بعد الصلاة لاستلام حذائك قلت مبهوراً: «يا للروعة، ما أجمله!»

🍁 ٥. ترسيخ الصالحات في النفس

📚 كتاب #أدب_الصلاة
✍️ الشيخ علي رضا بناهيان

⚜️ قلنا إن الصلاة تهب الإنسان استقلالًا روحيًا. فإن استقلَّتْ بنفسك وحاربت هواك، صرتَ من أرباب المحبة والعشق والعاطفة، وإلا فإن تارك الصلاة أسير هواه، والمسافة بين الانقياد للهوى وبين الحب شاسعة، لأن الجميع يفرّون ممن هو أسير هواه.

‼️ أتعلم ما الذي يُضعف في الإنسان الإبداع وقوة الفكر والذاكرة؟ إنه الانصياع للهوى. فإذا أحببت تقوية ذاكرتك فعليك بالصلاة في أول وقتها وعلى أصولها. معنى هذا أن أداء الصلاة على نحوٍ جيد يبعث على تقوية فكر الإنسان وإبداعه وتركيزه. فإذا فما الذي يصنعه الشخص الضعيف في دروسه أو لا يعمل ذهنه وفكره على نحو سليم؟ من المؤكد أن عليه أن يُحسن صلاته. إذ يُقال إن ابن سينا كان إذا استعصت عليه مسألة صلّى ركعتين، فإذا بالمسألة تُحل.

الصلاة بأدب وفي وقتها، وهي المشحونة بمجاهدَة النفس، ترفع مقدرة الإنسان على مواجهة الصعاب. فالبعض تراه يعلو آنية ويناحه لأيّ مدّة، فإذا حصل على نعمة بَخِلَتْ نفسه فلم يُعطِ لأحد شيئًا.

🔶️ يصف الله سبحانه وتعالى الإنسان في سورة المعارج بأنه: "خُلِقَ هَلُوعًا"، فإن الحرص يبلغ به حدًا حتى وكأنه يريد حيازة العالم بأسره والتشبث بكل ما فيه. وإنه: "إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا"، فهو جزعٌ فزعٌ يتعالى أنينه إذا أصابه شر أو خسران. ثم: "وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا"، فإذا نالته نعمة أو خير بخل بهما ومنعهما عن الآخرين.

🔷️ فالله عز وجل يُخبر في هذه الآيات الكريمة عن شرور الإنسان وسيئاته ليبين أن بني آدم هم بهذا السوء. فما عسانا نصنع بزَلّات الإنسان هذه؟ وما السبيل إلى محوها؟ يقول الله متابعًا: "إِلَّا الْمُصَلِّينَ"، أي: المصلّون - لا غيرهم - ليسوا على هذا النمط. لماذا؟ لأنهم في نزاع دائم مع أنفسهم حين الصلاة؛ مما يقود إلى دفع هذه الشرور عن كيانهم.

إلى هذا الحد الصلاة مؤثّرة؟


انتهى الفصل...