منذ فجر الفلسفة الحديثة، ظل السؤال عن طبيعة الإنسان محوريًا: هل هو كائن شرير بطبعه تحكمه الغرائز والأنانية، أم أنه كائن قادر على المحبة والسمو؟
يعكس هذا التوتر عبارتان فلسفيتان شهيرتان: "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" لتوماس هوبز، و"الإنسان للإنسان إله" للودفيغ فويرباخ. ورغم بساطتهما، فإنهما تلخصان رؤيتين متناقضتين للعالم وللوجود البشري.

الإنسان عند هوبز: الذئب الكامن

رأى هوبز (1588-1679) أن الطبيعة البشرية ميّالة إلى الصراع والعدوان، وأنه لولا وجود سلطة قوية تُخضع الأفراد لقوانين صارمة، لتحول المجتمع إلى حالة "حرب الكل ضد الكل". هذه الرؤية التشاؤمية جعلته يصف الإنسان بأنه ذئب لأخيه الإنسان، أي أن الغريزة الطبيعية هي التنافس والسيطرة، لا التعاون ولا الرحمة. ومن هنا برّر الحاجة إلى دولة قوية تُعرف بـ"الليفياثان"، تحافظ على النظام وتمنع البشر من التهام بعضهم البعض.

الإنسان عند فويرباخ: الإله الإنساني

على الضفة الأخرى، قدّم فويرباخ (1804-1872) رؤية مغايرة تمامًا. فقد اعتبر أن الإنسان في عمقه ليس ذئبًا، بل يحمل إمكانية أن يكون إلهًا لأخيه الإنسان. أي أن العلاقة بين البشر لا ينبغي أن تُبنى على الخوف والعدوان، بل على الحب والتقدير المتبادل. بالنسبة له، كل إنسان يجد كماله في الآخر، وفي القدرة على أن يكون مصدر حياة ومعنى للغير.

بين الرؤيتين: السياسة والدين

هذا التناقض لا يقف عند حدود وصف الطبيعة البشرية، بل يمتد إلى السياسة والدين. فهوبز جعل الدولة معبودة بالمعنى العملي، إذ لا بقاء للإنسان دون خضوع لسلطتها المطلقة. بينما فويرباخ اعتبر أن تأليه الدولة أو العقيدة يهمّش الإنسان الحقيقي، ويحوّله إلى مجرد وسيلة. لذلك، دعا إلى إعادة مركزية القداسة إلى الإنسان ذاته، بدل إسقاطها على كيان متعالٍ.

بين هوبز وفويرباخ يتأرجح السؤال الأزلي: هل الإنسان في جوهره ذئبٌ يجب ترويضه، أم إلهٌ صغير يستحق التقديس؟ ربما تكمن الحقيقة في التوتر بين الرؤيتين؛ فالإنسان قادر على أن يكون ذئبًا إذا غاب الضمير، وإلهًا إذا جعل من إنسانيته غاية لا وسيلة.

‏المعرفة هي هدم مستمر للأوهام ."

- غاستون باشلار

- لا شيء أبغض من أن تكون أفعال الإنسان خاضعة لإرادة الآخرين."