مشايخ السلفية هم سبب المشكلة؛ وهم مكمن الخطر!
جاءت موجة الربيع العربي فزلزلت كل شيء؛ وكان من أعظم تلك الثوابت التي زلزلتها؛ تقدير الجيل الأول من الدعاة؛ والتعالي عليهم ومحاولة القفز على كل معطياتهم في الواقع؛ والتنظير لضيق أفقهم وعدم قدرتهم على مواكبة الماجريات ومتغيرات العصر.
ما يزيد عن عقد من الزمان أخرج جيلا متمردا على كل شيء؛ ناقما على الأحوال والظروف ورتابة الحياة؛ يرى أنه يليق به ما هو الأفضل وأن هذا عصره ولكل عصر رجاله!
ساقية لا تخرج ماء ورحى تطحن الهواء.
وظل ذاك الجيل القديم المزكى على ثغوره؛ يهتم بقيام الليل وحفظ اللسان وعون الناس والحرص على أوراده وعدم الانجرار مع الماجريات.
ما يزيد على عقد من الزمن؛ وذاك الجيل الناقم محلك سر؛ لا يتقدم خطوة للأمام في أمر دين ولا دنيا وجرفته الماجريات؛ ولا جديد.
كان من الممكن ألا ينجرف ذاك الجيل تحت تروس الآلة الدعائية التي نتجت عن الخطاب الغربي الع::لماني الفارغ؛ وكان يمكن أن يحافظ على ذاك الجيل القديم بأدواته دون إسقاطه؛ ويضيف له ثمرة تطوره ودراسته؛ لكن العكس هو ما كان.
لكن حاول بكل ما أوتي من قوة أن يكسر تلك الرموز ليحل محلها؛ آملا أن يقدم الأفضل؛ لكنه كسر هيبة الرموز في نفوس الناس؛ مع عدم الحراك أو تقديم البديل!!!
جلست مرة مع الشيخ وحيد بالي في بيته ربما من أربع سنوات وخضنا غمار حديث طويل، فلما جاء ذكر بعض الناس ولاكته الألسن زجرهم الشيخ ونهاهم عن الغيبة المحرمة؛ رجل صاحب زكاة وأدب شديد وحسن الخلق.
عرفت الشيخ مصطفى العدوي أول ما عرفته وأنا في الصف الأول الإعدادي؛ ذهبت إلى مسجده لآخذ بعض الكتيبات فعثر بي وهو متقدم لصلاة العصر فالتفت إلي وأخذ يعتذر؛ من هذا الشخص النحيل الذي يلبس غطرة بيضاء لابد أن إمام المسجد؛ فكان الشيخ مصطفى حفظه الله؛ منذ أن قدم مصر لم يترك التدريس يوما واحدا والإفادة والتواصل مع الطلبة؛ جلد عجيب وبذل عظيم لا يتواني ولا يتوقف؛ بارك الله سعيه ووفقه وكتب أجره.
أقام الشيخ محمد يعقوب على ثغر التربية فكانت ثماره يانعة؛ ولا أحصي كم أفاد الناس من الشيخ حسان وكم أخذ بقلوب الناس ودلهم على الله تبارك وتعالى.
كان أبو إسحاق الحويني في تلك الفترة قامة تهفو إليها نفوس طالبي الهدى وطلاب الحديث؛ وكم نشر الله به من خير وفضل، تمد بصرك شرق وغرب البلاد فلا تجد من تلك الرؤوس ما ذكرت منها وما لم أذكر؛ إلا منتصبا للتعليم والدعوة وخدمة الناس والدلالة على الله تبارك وتعالى.
تذهب إلى القاهرة فتجد فوزي السعيد ومحمد عبد المقصود وأبو ذر القلموني وإن يممت للإسكندرية فسعيد عبد العظيم والمقدم، كل هؤلاء جيل ركز على التربية والتزكية مع ما من الله به عليهم من علم وعمل، ولازالت لهم أياد ونقوش.
انتشرت دعوة هؤلاء الأفاضل وذاع فضلهم وكثر خيرهم؛ ولازالوا ملازمين لثغورهم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!
أصدقكم القول؛ ليس هناك أحق بطول مراجعة من هذا الجيل البائس الذي لم يستطع أن يطال بلح الشام ولا عنب اليمن؛ وجرفته الماجريات ولازال ضائعا لا يعرف وجهة ولا يكف عن جلد أهل الثغور.
جيل الثورة جيل منتفخ مليء عجبا وغرورا لأجل بعض الزخارف وهو لا يعدو أن يكون قارئا لمقالات ملتقطا ما تقذف به العقول المشوهة هنا وهناك، ولازال الجيل تائها لا يعرف وجهة ولازالت الأنفس تحتاج لكثير من التهذيب والسواء ولازال المشوار أعني مشوار العلم والتزكية طويلا ومن ظن غير ذلك فقد أبعد النجعة وأعاد كرة التقهقر والسقوط مرة أخرى.
ما أحوجنا إلى مراجعة حقيقية نستفيد فيها من الجيل القديم ونضيف شيئا ذا بال دون إفراط أو تفريط وإلا فإننا في التيه مقيمون لن نخرج أبدا!

كل ما أنت فيه من مِنن الله المنان عليك؛ فلا تعجب فالعُجب ممحقة للبركة محبط للعمل، وتتفرعنه كل الآفات السيئة؛ كالمن والكبر والبطر والرياء.
واعلم على أن الذي أعطاك بفضله؛ قادر على أن يسلبك بعدله.
وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءُوا ذُكِرَ الله تعالى والدار الآخرة ، لمواظبته على العبادة ، فأطال الصلاة يوماً ، ورجل خلفه ينتظر ، ففطن له بشر ، فلما انصرف عن الصلاة قال له : لا يعجبنك ما رأيت مني ، فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله مع الملائكة مدة طويلة ، ثم صار إلى ما صار إليه .
وقال مسروق –رحمه الله-:
بحسب الرّجل من العلم أن يخشى اللّه- عزّ وجلّ- وبحسب الرّجل من الجهل أن يعجب بعلمه.
وقال الذهبي -رحمه الله-:
فمن طلب العلم للعمل كسره العلم وبكى على نفسه ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء تحامق واختال وازدرى بالناس وأهلكه العجب ومقتته الأنفس (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
وقال مالك بن دينار –رحمه الله-:
إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره!، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا !
فانظروا عمن تأخذون دينكم فإن العلم دين، وإياكم وحدثاء الأسنان سفهاء الأحلام؛ الذين يورثون الطلبة سوء الأدب والانتفاخ والكير والعجب؛ فإن مناهجهم والله ظلمات بعضها فوق بعض.