أسوأ شيء تستهلك فيه طاقتك العقلية و‍النفسية والعاطفية هو أن يظل مصباح المعيارية مشتعلاً على الدوام.

كل قول أو فعل يمر عليك في اليوم تكون مشغولاً بإعطائه حكماً قيميا بالصواب أو الخطأ، أو حتى بأنه يليق أو لا يليق.
الحياة لا تسير هكذا، والله لا يكلفك هذا، وقلب الإنسان أضعف من أن يحتمل هذا التحفز المتصل.

ليس كلامي هنا عن الأمور الظاهرة البين أنها منكرة= فإنكار هذا على الأقل بالقلب واجب شرعي، لكن كلامي عن أمر آخر، الإسراف فيه هو الغالب على حال الناس وهو الاشتغال وإجهاد ‍النفس في تقييم أمور ومواقف وأشخاص ليسوا في دائرة تأثيرك وتأثرك المباشرة.
كلامي عن عدم التغافل، عن فرز كل كلمة وكل منشور وكل عبارة يقولها صديق بصفة عابرة.
كلامي عن التحليل السياسي والفكري والفلسفي والوجودي للأشياء العابرة..

عن الغرق في التريندات وأحكامها كما لو كنت مسؤولًا عنها بين يدي ربك.

وكل ذلك فساد، يقود للقول بلا علم وهدر العيش ولا بد..

التغافل يعين على سلامة الصدر، ويعين على تقوية العلاقات بين الناس، ويدخر آلتك النقدية إلى مواطن احتياجها الحقيقية..

من أجل حاجة الطب والمداواة: اطلاع الرجل من المرأة على ما لا يحل له، واطلاع المرأة من الرجل على ما لا يحل لها= مباح لا حرج فيه.

ولا يُشترط لذلك حالة الضرورة بألا يوجد البديل من نفس الجنس، بل يكفي لإباحة هذا مجرد الحاجة للمداواة.

ولا تُكلف المرأة وجوبًا بتحري الطبيبة من نفس جنسها، بل يسعها أن تتطبب لدى رجل ولو وجد البديل خاصة مع سهولة استفاضة العلم بكفاءة الطبيب الرجل.

وهذا على ما أختار الفتيا به، وقد يرى بعض الفقهاء خلافه، لكن المراد هنا توضيح أن التصور المشهور بأنه يلزم المرأة تحري الطبيبة وأنه لا يجوز لها الانتقال للطبيب الرجل إلا عند عدم البديل= أن هذا التصور ليس اتفاقيًا عند الفقهاء، فهو يجعل نظر الرجل لعورة المرأة للتطبيب من باب الضرورات، وهذا غلط والصواب أنها من باب الحاجات التي يكفي فيها مجرد توفر الداعي ولو وجد البديل.

والذين اشترطوا عدم امرأة قيدوا ذلك بأن تكون المرأة المتوفرة أعرف وأحسن، في حواشي التحفة: (( قول ابن حجر وأمهر إلخ يفيد أن الكافر حيث كان أعرف من المسلم يقدم حتى على المرأة المسلمة)).

فالطبيبة التي لا تعلم كفاؤتها يقدم عليها حتى الرجل الكافر.

والواقع أن قدرة العامة على تحديد كون الطبيبة مماثلة في الكفاءة محدودة جدًا، وقدرتهم على تعيين الكفاءة تكاد تقتصر على الاستفاضة والقدرة على الوقوف على الكفاءة بالاستفاضة أيسر في الطبيب الرجل، وبالتالي حتى من يشترطون عدم البديل من النساء، يقيدون ذلك بكفاءة البديل، أما واقع الذين يشددون في المسألة فيكاد يصل إلى الاستعاضة بأي بديل من نفس الجنس مع ضعف ظاهر في تحري الكفاءة.

قال المروذي: ((أصاب الإمام أحمد لوى (شيء يدخل المعدة فيؤلمها) فدعاء امرأة فأخرجته)).

قال القاضي أبو يعلى: ((ويجوز للطبيب أن ينظر من المرأة إلى عورة المريض عند الحاجة إليها نص عليه أحمد)).

وأختم بمسألة أخيرة: وهي أن المتجه عندي في العلاج النفسي تقديم الطبيبة من نفس الجنس لحساسيته الشديدة، فإن تعذر ذلك فلا حرج في الطبيب الرجل مع تفادي الخلوة وتحري من يوثق بعدالته.

ملحوظة: من اختار زوجها القول الآخر الذي يشترط تحري الطبيبة فإنه يجب عليها طاعته مع إرشاده إلى بذل الجهد في تحري الكفاءة، فإن ظهر ضعف تحريه وتضررت تحاكمت إلى من يفصل بينهما في الموضوع.

نحن لا نتجاوز الألم، بل نصاحبه ونمضي برفقته.

الأولى في العبادة القصد (الاعتدال والرفق) والملازمة (المداومة) لا المبالغة المفضية إلى الترك.

ابن حجر