أطيب العيش : عيش مَن يعيش مع الخالق سبحانه ، فإن قيل : كيف يعيش معه؟
قلت : بامتثال أمره ، واجتناب نهيه ، ومراعاة حدوده ، والرِّضا بقضائه ، وحسن الأدب في الخلوة ، وكثرة ذكره ، وسلامة القلب مِن الاعتراض في أقداره ،
فإن احتجت ، سألته ، فإن أعطى ، وإلَّا رضيت بالمنع ، وعلمت أنه لم يمنع بخلًا ، وإنّما نظرًا لك ، ولا تنقطع عن السُّؤال ؛ لأنّك تتعبَّد به ،
ومتى دمت على ذلك ، رزقك محبَّته ، وصدق التَّوكل عليه ، فصارت المحبَّة تدلُّك على المقصود ، وأثمرت لك محبَّتَه إيَّاك ، فحينئذٍ تعيش عيش الصدِّيقين ..
ولا خير في عيشٍ إن لم يكن كذا ، فإنَّ أكثر النَّاس مخبِّطٌ في عيشه ، يداري الأسباب ، ويميل إليها بقلبه ، ويتعب في تحصيل الرِّزق بحرصٍ زائدٍ على الحدِّ ، وبرغبةٍ إلى الخلق ، ويعترض عند انكسار الأغراض ، والقدر يجري ، ولا يبالي بسخط ، ولا يحصل له إلا ما قدِّر ، وقد فاته القرب مِن الحقِّ ، والمحبَّة له ، والتَّأدُّب معه ، فذلك العيش عيش البهائم ..
📖💚🥝
ابن الجوزي | صيد الخاطر.